بسم الله الرحمن الرحيم
أفرض الفرائض
الحمد لله الذي أوضح المحجة للسالكين , وأقام الحجة على جميع المكلفين , وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين وبعد :
فإنّ علم التوحيد أشرف العلوم وأجلّها قدراً ,وأوجبها طلباً , ومعرفته أجل المعارف كما قال الحافظ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ :
فإذا طلبت من العلوم أجلها * فأجلها عند التقي المؤمن
علم الديانة وهو أرفعها لدى * كل امرئ متيقظ متدين(1)
وقال الشيخ حافظ حكمي ـ رحمه الله ـ :
أول واجب على العبيد *معرفة الرحمن بالتوحيد(2)
وبهذا يُعلم أنه سبحانه أنزل الكتب وأرسل الرسل لأجل التوحيد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ (اعلم رحمك الله أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل التوحيد ) (3) .
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ (فإن التوحيد هو دين الله وملة خليله إبراهيم ودين جميع الأنبياء والمرسلين ) (4) .
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (والتوحيد مفتاح دعوة الرسل ) (5) .
ويتبين بهذا أن دين الأنبياء واحد وإنما اختلفوا في الشرائع كما قال ابن القيم في النونية:
فالرسل متفقون قطعاً في أصو*ل الدين دون شرائع الايمان
كل له شرع ومنهاج وذا* في الأمر لا التوحيد فافهم ذان
فالدين في التوحيد واحد* لم يختلف منهم عليه اثنان(6) .
والتوحيد هو أعظم الأوامر قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ (فمن أعظم ما أمر الله به التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة وهو مشتمل على صلاح القلوب وسعتها ونورها وانشراحها وزوال أدرانها وفيه مصالح البدن والدنيا والآخرة) (7)
و التوحيد هو طريق الفلاح المُوصل إلى بلاد الأفراح كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (ومفتاح الجنة التوحيد ) (8).
وبهذا يُعلم أن الإنسان بحاجة إلى التوحيد كحاجة الجسد إلى الماء بل أعظم من ذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: ( اعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شياً أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به فإن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ) (9).
ومما يدل على أهمية التوحيد أن القرآن كله متضمن للتوحيد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه) (10).
وقال أيضاً (فالقرآن كله في التوحيد وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائه ) (11) .
لذا حري بالمسلم أن يهتم بأمر التوحيد فمن أجله جرّدت سيوف الجهاد , ومن أجله حقّت الحاقّة, ووقعت الواقعة, وصار النّاس فريقين: فريق في الجنّة، وفريق في السّعير.
فضائل التوحيد
للتوحيد فضائل عظيمة وكثيرة أذكر منها ما يلي :
1. سبب لدخول الجنة والنجاة من النار قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا ) (12)
2. انشراح صدر صاحبه قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (فأعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه) (13).
3. أنه سبب لقبول جميع الأعمال .
4. أنه سبب لثمرة الأعمال الصالحة : كما قال ابن القيم في كلامه على كلمة التوحيد (ولاتزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها، واتصف قلبه بها، وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها، فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله، ويشهد بها لسانه وتصدقهاجوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله، و واطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللاغير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا، كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا،فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ،فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلاماً كثيراً طيباً يقارنه عمل صالح) (14)
5. تفريج الكرب : قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقى في الكرب العظام إلا الشرك ولا ينجي منها إلا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها) (15).
6. أن كلمة التوحيد سبب لثقل الموازين ورجحانها.
وبهذا تم المقصود
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
(1)جامع بيان العلم وفضله (1/246).
(2)معارج القبول (1/97).
(3)الدرر السنية (1/158).
(4)الدرر السنية (1/440) .
(5)مدارج السالكين ص 1014.
(6)الكافية الشافية ص 83 .
(7) القواعد الفقهية ص 114.
(8)حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/139).
(9)طريق الهجرتين (57، 58).
(10)مدارج السالكين ص 1018.
(11) مدارج السالكين ص 1019.
(12) مدارج السالكين ص 1014
(13) زاد المعاد (2/22) .
(14) إعلام الموقعين (2/299) .